Lunch box علبة الغذاء الفاخرة قلق وتوتر يجتاح الأمهات

Lunch box علبة الغذاء الفاخرة قلق وتوتر يجتاح الأمهات
 Lunch box علبة الغذاء الفاخرة قلق وتوتر يجتاح الأمهات

شرائح الخيار على شكل قلوب مع قطع من اللحم المقدد، وجه ضاحك على شطيرة الجبن تم تشكيله من حبات الزيتون والذرة المسلوقة وشريحة طماطم، فاكهة مقشرة ومصفوفة بألوان قوس قزح، ولا تنسي وضع ملاحظة صغيرة مكتوبة بخط يدك تعبرين فيها عن مدى حبك لطفلك. 
يبدو المشهد دافئًا، لكن في الواقع يخفي داخلك بعض التوتر، وتساؤلات من الصعب الإجابة عليها، وأولها: هل ستكون محتويات علبة ابني كافية كي يشعر بالانتماء؟ أم سوف يشعر بالنقص أمام زملائه؟

من وسيلة مساعدة إلى أداة استعراض

لم تعد علبة الغذاء المدرسية مجرد وسيلة لسد جوع الطفل خلال دوامه الدراسي، بل أصبحت ساحة مفتوحة للاستعراض بشكل يومي، يتنافس فيها الأهالي على تقديم الأجمل، الأغلى، والأكثر تنوعًا. 
تحوّلت تلك العلبة إلى مساحة تنافس معلنة بين الأمهات في السنوات الأخيرة، حيث يُقاس الحب بالإبداع البصري، وتُقارن الرعاية بعدد الأصناف وتناسق الألوان.
هذا التحول الظاهري يخفي وراءه أعباء نفسية واجتماعية، تطال الأمهات والطلاب على حدٍ سواء.

 الأمهات بين الرغبة في التميز والخوف من المقارنة

تحضير علبة غذاء الطفل بشكل مثالي أصبح مهمة تتطلب وقتًا وجهدًا يفوق مجرد إعداد شطيرة عادية،
بل يشمل تنسيق الألوان، استخدام أدوات خاصة، وتصويره أحيانًا للنشر على وسائل التواصل،
مما ولّد ضغط يومي متكرر تعاني منه الأم.
وسائل التواصل الاجتماعي زادت الضغط عندما حولت الرعاية إلى استعراض،
حتى جعلت الأمهات يشعرن أن البساطة تعني الإهمال والتقصير،
الصور المنشورة لعلب الطعام الفاخرة على إنستغرام وتيك توك رسمت معايير غير واقعية،
فبدلاً من أن يكون محتويات علبة الغذاء تعبيرًا عن الحب والرعاية، أصبحت وسيلة لإثبات الذات أمام المجتمع. 
وغالبًا تشعر الأم بمشاعر الذنب أو النقص إذا لم تستطع مجاراة هذا الاتجاه،
خاصة في ظل ظروف اقتصادية أو عملية لا تسمح بذلك، ناهيك على أن معظم الأمهات عاملات،
وقد لا تجد الأم العاملة وقتًا لتزيين الطعام، فتشعر بأنها أم مهملة بسبب غياب تحضيرها علبة الغذاء
الخاصة بطفلها بشكل مميز، فتنشأ يوميًا مقارنة غير عادلة بين الوقت مقابل المثالية،
ينعكس عبرها آثار سلبية على نفسية الأم.

الطلاب أمام الغيرة والحسد مقابل التفاخر والغرور

بعض الأطفال قد يستخدمون علبة الغذاء كوسيلة للتمييز والتظاهر، مما يحفر فجوة اجتماعية عنوانها التفاخر والغرور تفصلهم عن باقي زملائهم داخل الصف الدراسي.
بينما الطفل الذي يحمل علبة غذاء بسيطة قد يشعر بالنقص أمام زملائه الذين يملكون علبًا فاخرة مليئة بالمفاجآت، مما يؤثر على ثقته بنفسه، وغالبًا يتجنب فتح علبته أمام الآخرين خوفًا من المقارنة، فيشعر بالغيرة والحسد من زملائه.
تلك الأجواء المشحونة بالمشاعر المتناقضة في الصف الواحد تدعو للتمييز بصورة غير مباشرة، المعلمة أو الزملاء قد يلاحظون هذه الفروقات، مما يرسّخ مفاهيم التفاوت الطبقي منذ سن مبكرة.

كيف نعيد التوازن؟
يجب أن نتذكّر أن الهدف من إعداد علبة الغذاء هو مساعدة الطفل غذائيًا بشكل معتدل لحين عودته إلى المنزل، وليس التنافس البصري! ما يوجد داخل العلبة من ألوان وأشكال قد لا يوجد في ثلاجة منزل عدد كبير من الأطفال، الفقر ليس ذنب الطفل أو أهله، الذنب هو زرع الحسرة في تلك القلوب الصغيرة. 
المدة التي يغيب بها الطفل عن المنزل لا تتجاوز خمس ساعات، لذا إرفاق شطيرة واحدة مع علبة عصير صغيرة تكفي، يمكن للطفل أن يتناول الوجبات الدسمة وغيرها في منزله، فلا يوجد داعي لوضع الفاكهة والحلويات الباهظة داخل العلبة، الحب لا يُقاس بعدد الأصناف بل بالنية خلف التحضير.
جعل محتويات علبة غذاء الطفل وجبة متواضعة، ومراعاة مشاعر الأطفال الآخرين من خلال تعزيز القيم الأخلاقية داخل الأسرة، وتعليم الطفل أن القيمة ليست بالشكل الخارجي، بل بالمضمون، سواء في الطعام أو في العلاقات.
يمكن لإدارة المدرسة أن تساهم في الحد من هذه الظاهرة السيئة عبر حملات توعية حول التنمر الغذائي، وتخصيص أيام للوجبات الموحدة، من خلال تنظيم أيام لإحضار شطائر خفيفة من نوع واحد، أو مشاركة المأكولات والحلويات مع زملائهم، وذلك لتقليل الفروقات بين الأطفال. 

قيمة الشيء تأتي من مفهومه الحقيقي

بالرغم من بساطة علبة غذاء الطفل أو Lunch box ، لا بد من حدوث الكثير من التعقيدات الاجتماعية والنفسية إذا تجاوزت مفهومها الحقيقي في المحتوى، فقد تفقد قيمتها بين الرغبة في تقديم الأفضل والخوف من المقارنة مع الآخرين، ليضيع بعد ذلك المعنى الأساسي من وجودها، المبالغة في تحضير العلبة بطريقة استعراضية تولد عبئًا إضافيًا لا داعي لحمله! 
ربما آن الأوان كي نُعيد لهذه العلبة الصغيرة معناها الحقيقي، بعيدًا عن التنافس والأضواء.


  للاستماع إلى المقال اضغط هنا

لقراءة باقي المقالات اضغط هنا

الإصدارات الأدبية للمؤلفة نور شحط

للمتابعة على قناة اليوتيوب  


تعليقات